لماذا يمكن لاعتبار الأمور من المُسلَّمات أن يسلبك البهجة؟
تعتبر الحياة رحلة مليئة بالتجارب والمفاجآت، ولكن عندما يعتاد الإنسان على اعتبار العديد من الأمور من المسلّمات، فإنه قد يفقد القدرة على الاستمتاع بلذتها وتقدير جمالها. هذا الاعتقاد بأن بعض الأشياء يجب أن تكون كما هي أو أنها لا تتغير يمكن أن يصبح عائقاً في طريق الفرح الشخصي والرضا النفسي. في هذا المقال، سنتناول كيف يمكن لهذا الموقف أن يسلب البهجة عن الحياة، وكيف أن تقدير الأمور في سياقها الواقعي وامتلاك عقلية منفتحة يمكن أن يعيد البهجة إلى حياتنا.
1. التفكير التلقائي في المسلّمات:
عندما يصبح الإنسان معتادًا على اعتبار بعض الأشياء من المسلّمات، مثل العلاقة مع الآخرين أو نمط الحياة اليومي أو حتى البيئة المحيطة به، فإنه يفقد القدرة على التقدير الحقيقي لهذه الأشياء. هذه العملية الذهنية تحدث بشكل تلقائي، حيث يبدأ الفرد في أخذ الأشياء كأمر مفروغ منه، غير معترف بها ولا يتم إدراك قيمتها بشكل كامل. فمثلاً، يمكن أن يعتبر الشخص العلاقات الأسرية أو صداقات العمل بمثابة أمر ثابت أو دائم، مما يجعله لا يوليها الاهتمام الكافي ولا يشعر بالامتنان لها.
هذا النوع من التفكير التلقائي يساهم في التراجع عن تقدير لحظات الحياة التي قد تكون مليئة بالمعنى والجمال. الحياة تتغير باستمرار، والأشياء التي نعتبرها ثابتة قد تكون مهددة بالتغير في أي لحظة، لكن العيش في إطار المسلّمات يمنعنا من رؤية هذه التغيرات واستقبالها بترحاب.
2. فقدان الشغف بالتجارب اليومية:
عندما يصبح الإنسان عايشًا في حياة روتينية، فإن كل شيء يبدأ في الظهور وكأنه مكرر وغير جديد. إن اعتبار الأمور من المسلّمات يجعل الشخص يتوقف عن البحث عن الجمال في التفاصيل اليومية. الروتين الذي يعتمد على المسلّمات قد يؤدي إلى الشعور بالملل والانزعاج من الأشياء التي كانت في السابق تثير الفرح والتجديد. على سبيل المثال، الطعام الذي كان يعتبر لذيذًا قد يصبح مجرد واجب يومي للتغذية، والعلاقات التي كانت مليئة بالتفاعل العاطفي قد تتحول إلى مجرد تواصل لا يحمل أي شغف.
إن الحياة اليومية مليئة بالتجارب الجديدة التي يمكن أن تكون مصدرًا للبهجة إذا نظرنا إليها من زاوية مختلفة. الألوان، الأصوات، والتفاعلات الإنسانية قد تكون مليئة بالفرص لرؤية الجمال بشكل غير تقليدي، ولكن عندما نعتبرها من المسلّمات، فإننا نفقد القدرة على التفاعل معها بشكل كامل. هذا النوع من التفكير يتسلل تدريجيًا إلى عقولنا حتى يصبح كل شيء حولنا محاطًا بالضباب، فلا نرى من الجمال إلا القليل.
3. الاعتقاد بأن الأمور ستستمر دائمًا كما هي:
عندما نأخذ الكثير من جوانب الحياة كأمور مسلّم بها، فإننا قد نغفل عن حقيقة أن الحياة تتغير باستمرار. على سبيل المثال، قد نعتقد أن عملنا في وظيفة معينة سيكون ثابتًا إلى الأبد أو أن حياتنا العاطفية ستظل مستقرة بلا مشاكل. هذا الاعتقاد قد يؤدي إلى حالة من الركود العاطفي أو الفكري، حيث لا نبحث عن التحديات الجديدة أو لا نأخذ خطوات للتطور. في النهاية، عندما تحدث التغيرات التي كنا نتجاهلها أو نراها بعين الرضا، نصبح غير مستعدين للتكيف مع هذه التغيرات، مما يؤدي إلى صدمة أو خيبة أمل كبيرة.
إن التفكير في الحياة كمجموعة من المسلّمات يجردنا من روح المغامرة والرغبة في الاكتشاف. إذا فهمنا أن الحياة تتغير وأن التحديات قد تأتي في أي لحظة، فإننا نستطيع أن نتعامل معها بحذر أكبر، مما يعزز من تقديرنا لما نملك ويجعلنا نستمتع بكل لحظة نعيشها.
4. تأثير المسلّمات على الصحة النفسية:
التعامل مع الحياة باعتبارها مجموعة من المسلّمات لا يقتصر تأثيره على الجانب الفكري فحسب، بل يمكن أن يمتد ليؤثر على الصحة النفسية. إن الشعور بأن الأشياء قد فقدت معناها أو لم تعد تحمل الجديد أو البهجة يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالإحباط والاكتئاب. عندما يعتقد الفرد أن الحياة هي مجرد تكرار للأيام دون تغيير أو تجديد، فإن ذلك يعزز مشاعر العجز واليأس. التفكير بأن كل شيء ثابت ولا يمكن تغييره يمكن أن يؤدي إلى فقدان الرغبة في محاولة تحسين الوضع أو السعي نحو الأفضل.
من جهة أخرى، إذا تمكنا من النظر إلى الحياة كشيء غير ثابت ونعترف بجمال التغيير والنمو، فإن ذلك سيساعدنا في الحفاظ على صحتنا النفسية. التغيير يمكن أن يكون مصدرًا للفرح والتجديد، ونحن بحاجة فقط إلى التغيير في طريقة تفكيرنا لنرى العالم من منظور مختلف.
5. تأثير المسلّمات على العلاقات الإنسانية:
العلاقات الإنسانية هي من أبرز المجالات التي يمكن أن يسلبها اعتبار الأمور من المسلّمات البهجة. في بداية أي علاقة، سواء كانت صداقة أو علاقة عاطفية أو حتى علاقة عمل، يشعر الأفراد بالتفاعل والحماس. ولكن مع مرور الوقت واعتبار العلاقة شيئًا مفروغًا منه، يمكن أن يمر بها نوع من الركود. قد يعتقد الشخص أن العلاقة ستظل قائمة على نفس النسق دون الحاجة إلى التجديد أو الاهتمام المستمر. هذا التفريط في الاهتمام يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالبرودة العاطفية أو افتقار الاتصال الحقيقي.
العلاقات الإنسانية تحتاج إلى الاهتمام والتجديد المستمرين. فإن توافر المحادثات الجيدة، والوقت المشترك، والاهتمام المتبادل يمكن أن يعزز من العلاقة ويجعلها أكثر عمقًا وجمالًا. عندما نفقد القدرة على تقدير الأشخاص الذين نحبهم أو نعمل معهم، نعرض أنفسنا لخطر فقدان التواصل الإنساني الحقيقي الذي يمنحنا البهجة.
6. كيف يمكن التغلب على هذه المسلّمات؟
تعد القدرة على كسر المسلّمات والتحرر من التفكير الروتيني أحد الأساليب الفعّالة لاستعادة البهجة في الحياة. إن تبني عقليّة منفتحة يمكن أن يعيد الحياة إلى ما هو جديد، ويشجع الفرد على التفاعل مع العالم من حوله بفضول أكبر. يمكن للإنسان أن يبدأ بتقدير التفاصيل الصغيرة التي قد لا يلاحظها في حياته اليومية، مثل التمتع بجمال الطبيعة أو الاستمتاع باللحظات البسيطة مع الآخرين.
علاوة على ذلك، يجب على الإنسان أن يتبنى موقفًا يتعامل فيه مع التغيير كفرصة للنمو. التغيير ليس شيئًا يجب الخوف منه، بل هو فرصة للتعلم والتطور. استبدال عقلية “المسلّمات” بعقلية “الاحتمالات” يمكن أن يحسن من قدرتنا على التكيف مع الحياة وتقدير ما حولنا.
الختام:
يعتبر اعتبار الأمور من المسلّمات أحد الأسباب التي تؤدي إلى فقدان البهجة في الحياة، حيث يحدّ هذا الموقف من قدرة الإنسان على التقدير الحقيقي للواقع من حوله. من خلال تبني عقلية مرنة ومنفتحة، يمكننا أن نجد السعادة والبهجة في التفاصيل اليومية وفي التغيير المستمر الذي يطرأ على حياتنا.
